تتزاحم الدول وتشتد المنافسة بينها وتزداد ضراوة، ولكن ما يحسم هذه المنافسة هو مدى توافر عناصر القوة الشاملة في أي منها، وهي التي اتفق عليها علماء السياسة والاستراتيجيا والجغرافيا، ويمكن سردها على النحو الآتي: 1 - الجغرافيا: وهي أكثر العناصر استقراراً في بناء قوة أي دولة، فالجغرافيا ذات أهمية كبيرة في هيكل القوة للدولة فالمنطقة الإقليمية من الولايات المتحدة مثلاً مفصولة عن القارات الأخرى بمناطق مائية تتسع 3000 ميل من ناحية الشرق وأكثر من6000 ميل من الغرب، وهذا الفاصل يشكل عاملاً دائماً يعزز مركز الولايات المتحدة في العالم. ولكن أهمية العامل الجغرافي لم تعد كما كانت عليه قديماً في ضوء التطور التقني الرهيب لوسائل المواصلات والاتصالات بشكل أزال من الوجود عامل المحيطات العازلة، فالعالم أضحى قرية عالمية Global Village. 2 - الموارد الطبيعية: وهي عامل ثابت نسبياً يفرض تأثيراته على قوة الدولة، مقارنة بالدول الأخرى. وتشمل الغذاء: فالبلاد ذات الاكتفاء الذاتي أو ما يشبه الاكتفاء الذاتي تكون متفوقة تفوقاً عظيماً على الدولة التي لا تملك هذا الاكتفاء. وتشمل أيضاً الموارد الأولية ذات الأهمية في الإنتاج الصناعي وفي شن الحروب بوجه خاص. 3- الاستعداد العسكري: هو الذي يضفي على عوامل الجغرافيا والموارد الطبيعية والطاقة الصناعية تلك الأهمية الفعلية في عملية بناء قوة الدولة. ولا شك أن اعتماد القوة القومية على الإعداد العسكري هو من الوضوح إلى الحد الذي لا يتطلب الكثير من الشرح والتحليل، وهو يتطلب جهازاً قادراً على دعم السياسات الخارجية المتبعة. وتنبثق هذه القدرة عن عدد من العوامل التي تعتبر من ضمنها الابتكارات التقنية والقيادة وكم القوات المسلحة وكيفها في مقدمتها: أ- التقنية: فكثيراً ما يتقرر مصير الأمم والحضارات نتيجة تفاوت في تقنية الحرب، فقد أدى إدخال سلاح الإشارة والأسلحة النارية والمدفعية على أسلحة الحرب التقليدية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر إلى تحول ضخم في توزيع القوة لمصلحة الدول التي امتلكت هذه الأسلحة الجديدة قبل أعدائها. ومع تقدم الزمن مال ميزان القوة إلى صالح من تملكوا الأسلحة النووية والذرية. وهكذا كلما استجد سلاح مهم لدى دولة متقدم على ما لدى الدول الأخرى، فإن هذا يؤثر على درجة قوتها في النظام العالمي. ب- القيادة: فقد لعبت القيادة العسكرية دائماً دوراً حاسماً في القوة العسكرية، فكلما كانت القيادة متفهمة للبيئة المحيطة بها وعبقرية في اتخاذ القرارات، كلما أسهم ذلك في تعزيز القوة العسكرية بشكل إيجابي والعكس صحيح. ج- نوعية القوات المسلحة وكمها: فقوة أية دولة على الصعيد العسكري تعتمد على ما لديها من قوات وأسلحة وتوزيعها على الفروع المختلفة للجهاز العسكري، وقد تكون للدول كفاية طيبة على صعيد تفهمها للابتكارات التقنية في علم الحرب، وقد يتفوق قادتها العسكريون في فنون التعبئة المتعلقة بطرائق الحرب وأساليبها الجديدة، ولكن هذه الدولة قد تظل من الناحية العسكرية، وبالتالي من الناحية السياسة ضعيفة، إذا لم يكن لديها الجهاز العسكري الصالح لأداء المهام التي قد يوكل إليه أمرها، وذلك من ناحية قوته العددية الشاملة وقوة أجزائه المختلفة. 4 - السكان: فالعامل البشري مهم جداً في حساب القوة، من زاويتين الأولى هي التوزيع: فلابد من وجود تناسب بين عدد السكان وحجم الموارد، فإذا زاد السكان عن الموارد المتاحة لدى الدولة زيادة كبيرة فقد يصبحون عنصراً سلبياً في قوتها. والثانية هي ـ الاتجاهات: فاتجاهات تزايد السكان تلعب دوراً مهماً في تقويم التوزيع المستقبلي للقوة. ويتوقف الاتجاه على عوامل كثيرة، منها معدل الوفيات والمواليد ومدى وجود الكوارث الطبيعة والحروب... إلخ. 5 - الشخصية القومية: تبرز الشخصية القومية من بين العوامل الإنسانية الثلاثة ذات الطبيعة الكيفية التي تؤثر على السلطان القومي نتيجة إفراطها في الارتباط بوجهة نظر العقلانية وتأثيرها الدائم والحاسم على ما تستطيع الدولة أن تفرضه من ثقل في موازين السياسة الدولية، فهناك بعض خصائص الإدراك التي تحدث بصورة أكثر تكراراً وتكون لها قيمة أكبر لدى بعض الدول وتميزها عن الدول الأخرى، كما تظهر درجة عالية من المرونة والاستعداد لتقبل البدائل. ولا تعجز الشخصية القومية مطلقاً عن التأثير على قوة الدولة، فالرجال الذين يمثلون الأمة في أوقات السلم والحرب على حد سواء يصنعون لها سياساتها وينقذونها ويدعمونها، وهم الذين ينتخبون ويصوغون الرأي العام ويجسدونه، وينتجون ويستهلكون، وهم في الواقع الذين يحملون إلى حد ما أثر تلك المزايا الفكرية والخلقية التي تؤلف الشخصية القومية. 6- الطاقة المعنوية القومية: وهي لا تقل أهمية في أثرها عن أثر العوامل الأخرى للقوة القومية، وإن اتسم هذا العامل بالمزيد من الميوعة والافتقار إلى الثبات والتأثر بنوعية نظام الحكم وطبيعة المجتمع. فالطاقة المعنوية القومية هي درجة التصميم التي تدعم بها الأمة سياسة حكومتها الخارجية في أوقات السلم والحرب على حد سواء، ولذا فهي تشترك في صياغة كل ما تقوم به الأمة من أعمال وأوجه نشاط، سواء في الإنتاج الصناعي أو الزراعي أم في الجهاز العسكري والخدمة الدبلوماسية، وهي تؤمن في مجالات الرأي العام عاملاً غير مرئي لا تستطيع دونه أيه حكومة، سواء كانت ديمقراطية أم غير ديمقراطية، مستبدة أم أوتوقراطية، أن تتابع سياساتها بكثير من الفاعلية. 7- نوعية الدبلوماسية: لا ريب في أن نوعية الدبلوماسية، على رغم افتقارها إلى الثبات فهي أهم عامل من العوامل التي تخلق القوة لأي أمة من الأمم. أما العوامل الأخرى التي تقرر قوة الدولة فليست في واقعها إلا المادة الخام التي تصاغ منها قوة أية دولة، وتوحد الدبلوماسية تلك العوامل في كل واحد متكامل، وتؤمن لها توجيهها وأهميتها وتبعث فيها طاقتها الكامنة عن طريق إضفاء القوة عليها. ويمثل توجيه الدبلوماسيين في أية أمة لشؤونها الخارجية مصدراً لقوتها القومية في وقت السلم كما تمثله التعبئة العسكرية من جانب القادة العسكريين في وقت الحرب، والدبلوماسية في النهاية هي دفاع عن القوة القومية للدولة وفرض هيبتها بين دول العالم. 8- نوعية الحكم: فليس في وسع سياسة خارجية مهما توفرت للقائمين على إعدادها وتنفيذها الخبرة، ومهما بلغت غزارة الموارد المادية والبشرية لديها، أن تصل إلى أية نتيجة ملموسة إذا لم تكن هناك حكومة صالحة تتولى تسييرها.